بقلم د. هاني سري الدين
رئيس لجنة الشئون المالية والاقتصادية والاستثمار بمجلس الشيوخ
عبرت مصر تحديات صعبة في الآونة الأخيرة على المستويين الاقتصادي، والاجتماعي، وهو ما كان نتاج جهد وتخطيط وعمل لا يُمكن إنكاره، لكن الطريق مازال وعرا، وهناك حاجة لازمة لحوار بناء وسريع بشأن المستقبل.
وإذا كانت اللحظات الآنية، بما تحمله من آمال، وطموحات، وأهداف ملموسة تواكب ميلاد الجمهورية الجديدة، تشهد في الوقت ذاته بدء تشكيل حكومة جديدة تضع ضمن أولوياتها استكمال الإصلاح الإقتصادي، وتحقيق التنمية المستدامة، فإن هناك حاجة ماسة لطرح مهم وعاجل يخص منظومة الاستثمار وهو إنشاء وزارة مستقلة للاستثمار.
وهذه الوزارة تتحدد مهامها الأساسية في توسيع قاعدة الملكية الخاصة، ووضع استراتيجية واضحة للاستثمار الخاص، والترويج للإستثمار في مصر على المستوى العالمي، فضلا عن إعادة هيكلة وتعظيم العائد علي المشروعات العامة التي تحتفظ بها الدولة. كذلك فإن من المفترض أن تعمل الوزارة الجديدة على إزالة كافة المعوقات والعقبات التي تواجه الاستثمار، وما أكثرها. إلى جانب تمثيل الحكومة في المشروعات المشتركة وتعظيم عائد المشاركة.
وفي تصوري، فإن قضية الاستثمار أكبر من إدارتها من خلال هيئة، أو حتى وزارة دولة بلا حقيبة، خاصة أن تجربة الاعتماد على هيئة الاستثمار وحدها أثبتت فشلها الذريع على مدى عدة سنوات. فمهما كانت تفاصيل عملية التطوير المرتقبة للهيئة الحالية للإستثمار ، فإن واقع الحال يُلزمنا بالسعي لإجراء إصلاح مؤسسي شامل في منظومة الاستثمار، بغية استعادة مسار التنمية، وهو ما يرجح من تخصيص وزارة مستقلة
وفي رأيي، فإن الوزارة الجديدة يُمكن أن تضم عدة قطاعات وإدارات، أولها هيئة الاستثمار، على ألا تكون معنية بالترويج للاستثمار، بل تُنشىء وكالة مستقلة أخرى للترويج، تتبع الوزارة وتعمل وفق خطط زمنية محددة سلفا.
كما يجب أن تضم الوزارة الجديدة وحدة مشاركة القطاعين الخاص والعام، وهو ما يلزم نقل تبعيتها من وزارة المالية إلى وزارة الاستثمار الجديدة.
واقترح أيضا أن تدخل ضمن مهام الوزارة الإشراف على الصندوق السيادي المصري، بغية توحيد السياسات الحاكمة بمشروعات الصندوق مع غيرها من المشروعات.
فضلا عن ذلك يتم ضم السجل التجاري إلى الوزارة الجديدة لتحقيق بدأ الشفافية والافصاح عن كافة الأنشطة الصناعية والتجارية وتوحيد التعاملات فيما يتعلق بتأسيس الشركات وقرارات الجمعيات العمومية ومجالس الإدارة، وتعديل النظم الأساسية، والولاية على الشركات والتي تعد من أكبر مشكلات الشركات في مصر في الوقت الراهن. وكل هذه الاختصاصات يجب وضعها في منظومة موحدة تخضع لاشراف ومتابعة وزارة الاستثمار. كذلك، فإن هيئة التنمية الاقتصادية لقناة السويس يجب أن تخضع هي الأخرى للوزارة المفترضة.
وأتصور أن وزارة الاستثمار يجب أن تكون مسئولة مسئولية حقيقية ومنفردة عن كافة الأراضي المخصصة للاستثمار، وأن تكون صاحبة يد عليا في منح وتطبيق الاعفاءات والحوافز المقررة في قانون الاستثمار.
وتكون هذه الوزارة هي المعنية بالتنسيق ومتابعة كافة المشروعات المعنية لدي كل الوزارات للتحقق من تنفيذ خطة الحكومة الاستثمارية، ويتعين عرض كافة المشكلات أو أي حالات تعارض في الاختصاصات على المجلس الأعلي للاستثمار تحقيقا للحسم الفوري.
ويجب الا يفهم من كلامي أن هذه دعوة لزيادة عدد الوزارات بل العكس هو الصحيح، فالواجب أن يتم تقليص عدد الوزارات، لأن الاصلاح المؤسسي الحقيقي يجب أن يبدا من مجلس الوزراء وتشكيله وطريقة عمله. وهنا أتصور أن العدد الأمثل لايجب ان يزيد علي ٢٤ وزارة علي أقصي تقدير لرفع كفاءة العمل الحكومي والحد من تعارض الاختصاصات الولائية بين الوزارات والهيئات التابعة، ولتسهيل التنسيق الحكومي وتفعيل تنفيذ قراراتها.
وكما قلت من قبل، فإن أفضل دعاية للاستثمار في مصر يمكن أن تكون قصص النجاح الحقيقية لمؤسسات وشركات تنتمي للقطاع الخاص والتي نفذت مشروعات لها قيمة مضافة، واستطاعت أن تحقق أرباحا، وتوفر فرص عمل جديدة، والأهم من كل هذا هو أن تتحول هذه التوجيهات الإيجابية إلى حقيقة على أرض الواقع.
وهذه هي بعض أفكاري التي رأيت أن الواجب الوطني يُحتم عليَ مشاركتها مع الرأي العام، والحكومة الجديدة، التي أدعو لها بكل توفيق في تحقيق ما ينشده الشعب المصري.
وسلامٌ على الأمة المصرية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق