هناك لوغاريتمات في حياتنا البرلمانية
والسياسية لا أفهمها ولا أستوعب دوافعها، هنا أتحدث عن عدم تنفيذ مجلس النواب
لأحكام محكمة النقض المصرية ببطلان عضوية بعض أعضائه، وتصعيد مرشحين آخرين نتيجة
وجود أخطاء مادية في عملية احتساب الأصوات. وهو ما حدث بالنسبة للانتخابات
البرلمانية في دائرتي الدقي وحلوان.
وأضرب مثالاً بما حدث مع د/ عمرو الشوبكي المرشح عن دائرة 11 بالدقي
والعجوزة، حيث تقدم بطعن علي نتيجة الانتخابات البرلمانية أمام محكمة النقض، وقضت
محكمة النقض في منتصف يوليو الماضي ببطلان عضوية منافسه وأحقية الشوبكي بمقعد
دائرة العجوزة والدقي. وجاء الحكم نتيجة عملية إعادة فرز الأصوات من خلال الدائرة
المختصة بمحكمة النقض، وقام مستشارو محكمة النقض بإعادة فرز الأصوات بأنفسهم في
حضور ممثلي الطاعن والمطعون ضده، وانتهي الفرز إلي وجود أخطاء مادية في الفرز
الأصلي، وأن عمرو الشوبكي حصل بعد إعادة الفرز علي أغلبية الأصوات، وأنه كان يتعين
إعلانه فائزاً في الانتخابات الأصلية.
وفي هذا الخصوص اسمحوا لي أن أردد ما جاء علي لسان محكمتنا العليا حيث قالت
محكمة النقض أنه: »لما كان الثابت بالأوراق والتحقيقات التي أجرتها المحكمة، ومن
إعادة فرز الأصوات التي حصل عليها كل من الطاعن والمطعون ضده الثاني في حضور
وكيليهما، توصلاً لحقيقة الأصوات الصحيحة والباطلة وإعادة تجميعها في جميع اللجان الفرعية التابعة للدائرة
العامة الحادية عشرة قسم شرطة الدقي والعجوزة، تبين أن ما حصل عليه الطاعن عدد
21898 صوتاً... وما حصل عليه المطعون ضده عدد 21597 صوتاً، وإذ أعلنت اللجنة
العليا للانتخابات فوز المطعون ضده الثاني رغم حصوله علي أصوات أقل من تلك التي
حصل عليها الطاعن بعدد 301 صوت، فإن قرارها يضحي باطلاً حابط الأثر وواجب الإلغاء
مع تصحيح المخالفات الناتجة عن الخطأ في احتساب الأصوات عند إعلان النتيجة
النهائية، فإن المحكمة تتولي هذا التصحيح وتقضي بصحة عضوية الطاعن علي النحو
الوارد بالمنطوق».
وأضافت المحكمة في صلب المنطوق قرارها: »بإلغاء قرار اللجنة العليا
للانتخابات رقم 107 لسنة 2015... فيما تضمنه من إعلان فوز المطعون ضده الثاني...
والقضاء بعدم صحة عضويته بمجلس النواب للمقعد الفردي... وبصحة عضوية الطاعن...
بمجلس النواب...».
هذا ما قررته محكمة النقض المصرية بالنسبة لدائرتي الدقي والعجوزة، وكذلك
دائرة حلوان. وهو حكم نهائي بات واجب النفاذ غير قابل للطعن عليه. وهذا هو ما نص
عليه الدستور المصري في المادة (107) حيث ينص الدستور علي أن: »تختص محكمة النقض
بالفصل في صحة عضوية مجلس النواب... وفي حالة الحكم ببطلان العضوية تبطل من تاريخ
إبلاغ المجلس بالحكم».
وأثار البعض تساؤلاً: هل يجوز لمحكمة النقض بعد أن تقضي ببطلان عضوية أحد الأعضاء
المنتخبين أن تحكم بصحة عضوية منافسه وتصعيده إلي البرلمان؟ أم أن حكم البطلان أو
عدم صحة العضوية يقتضي إعادة الانتخاب مرة أخري في الدائرة المعنية؟... والحقيقة
أن القانون رقم 24 لسنة 2012 بشأن إجراءات الطعن أمام محكمة النقض في صحة عضوية
أعضاء البرلمان قد أجاب علي هذا التساؤل بشكل واضح وحاسم لا لبس فيه، حيث جاء في
نص المادة (12) من القانون المذكور أنه: »إذا أُبطل الانتخاب في دائرة من الدوائر
أجري انتخاب جديد لتلك الدائرة وفقاً لأحكام قانون مباشرة الحقوق السياسية، علي
أنه إذا كان من الممكن تصحيح المخالفات الناتجة عن وجود خطأ مادي في احتساب
الأصوات عند إعلان النتيجة النهائية أو بيان وجه الحقيقة في نتيجة الانتخابات تولت
المحكمة هذا العمل وتقضي بصحة من تري أن انتخابه هو الصحيح وتبلغ المجلس
بحكمها».وهذا ما فعلته محكمة النقض المصرية بحذافيره.
وكان من المتوقع بعد ثورتين ونصوص دستورية وقانونية واضحة وقاطعة، وحكم
قضائي صادر عن قمة القضاء في مصر؛ أن يقوم مجلس النواب بتنفيذ أحكام الدستور
والقانون وأحكام القضاء. ولكن الذي حدث أن اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس
النواب اكتفت حتي الان بتنفيذ الشق الأول من الحكم وهو إقرار بطلان صحة عضوية
نائبي دائرة الدقي والعجوزة ودائرة حلوان، ولم تنفذ الشق الثاني من الحكم وهو صحة
عضوية المنافسين وتصعيدهم إلي البرلمان. وقد قرأت تصريحاً بالصحف منسوباً إلي رئيس
الأمانة الفنية للجنة الشئون الدستورية يقول فيه: »أن العقبة التي تواجه الأمانة
الفنية للجنة تتمثل في حالة قبول الحكم ببطلان العضوية... فيمن سيتم تصعيده بدلاً
منه». يا الله... هل يعقل هذا؟... هل من المقبول التسويف في تنفيذ أحكام قضاء
محكمة النقض والقوانين والدستور؟... إن إهدار أحكام قضاء النقض ونصوص الدستور من
قبل مجلس النواب خطأ لن يغفره التاريخ لأعضاء اللجنة الدستورية والتشريعية. إن
دولة القانون تبدأ بإنفاذ أحكام القضاء، والأولي بتنفيذها هو السلطة التشريعية. إن
النصوص الدستورية والقانونية من ناحية، وأحكام محكمتنا العليا من ناحية أخري؛ هما
ضفتا نهر العدالة.
فإذا انهارت إحدي الضفتين تحول نهر العدالة إلي مستنقعات من الظلم والقهر.
وعلي اللجنة الدستورية والتشريعية بالبرلمان أن تكون الحارس علي عدم انهيار أي من
الضفتين لا هادمة.. إن النصوص القانونية التي يشير إليها السيد مقرر اللجنة
الدستورية والتشريعية في لائحة المجلس وقانون النواب لا علاقة لهما بحكم محكمة
النقض، ولا يؤثران علي تنفيذ حكم المحكمة لا من قريب ولا من بعيد. إن القضية أكبر
بكثير من عضو أو عضوين بالبرلمان.
إن القضية هي إرساء دولة القانون... إن التعلل بوجود نصوص قانونية في قانون
مجلس النواب ولائحته -وهو أمر غير صحيح ولم نجد له سنداً -تتعارض مع نصوص الدستور
وحكم محكمة النقض؛ أمر لا يليق بسلطتنا التشريعية... مجلس النواب سيد قراره
باحترام الدستور والقانون وأحكام القضاء، وليس بأي شيء آخر. اللينك
0 التعليقات:
إرسال تعليق