(1) أحداث هذا الأسبوع كانت مزعجة وصاخبة في معظم
جوانبها. ولكن من أكثر الأمور التي هزتني كان تصريحاً منسوباً إلي رئيس البرلمان
المصري د.علي عبد العال، هذا التصريح قرأته علي موقع يسمي «مصر العربية»، ونص
التصريح المنسوب إلي رئيس البرلمان كالآتي: «ساعة الشدة مفيش سلطة قضائية ولا
نيابية ولا تنفيذية واحنا في الوقت ده». وينسب الموقع إلي د.علي عبد العال كذلك
قوله مخاطباً نواب الشعب: «كلكم تعلمون الظروف التي تمر بها البلاد، السلطات
جميعها عليها أن تتعاون ولا يوجد فصل بين السلطات الآن!! وأحذركم من الهجوم علي
الحكومة في الوقت الحالي، ما يصحش كده»!!... لا توجد أية تكذيبات لهذه التصريحات
التي لو صحت فإنها تعد عاراً، ونكسة للسياسة والحياة النيابية في مصر. فإهدار مبدأ
الفصل بين السلطات الثلاث، وإنكار الدور الرقابي للسلطة التشريعية حينما يصدر عن
رئيس البرلمان في جلسة برلمانية هو فضيحة بكل المقاييس... هل يمكن أن نثق في
البرلمان إذا كانت هذه هي عقيدة رئيسه؟ هل يمكن أن نثق في بناء حياة ديمقراطية
ورقابة حقيقية علي أداء الحكومة ومساءلتها إذا كان هذا هو المبدأ الذي يريد أن
يرسيه رئيس البرلمان؟ هل تأييد الحكومة - عمّال علي بطال - وعدم مساءلتها وعدم
محاسبتها علي الأخطاء هو السبيل للاستقرار ومواجهة الأخطار؟ لا يا دكتور عبد
العال، ما تقوله - إن صح -هو هدم للاستقرار، ومسح بأستيكة لبناء نظام سياسي
ودستوري سليم في هذا البلد، ونفاق سياسي لا يليق بمقام رئيس مجلس النواب، وتغييب
لنظام المساءلة السياسية، وقتل لآمال وطموحات شباب هذا البلد!! هيبة البرلمان
والثقة فيه، ومن ثم تحقيق الاستقرار السياسي؛ لن يتحقق إلا باحترام الدستور،
واحترام مبدأ الفصل بين السلطات، وتفعيل الرقابة البرلمانية، واحترام حق أعضاء
مجلس النواب في استخدام حقوقهم الدستورية والقانونية... أقسم بالله أن هناك بعض
الوزراء في الحكومة الحالية صرحوا لي - وأعلم مدي صدقهم - بأنهم يسعون ويرغبون في
رقابة حقيقية علي الحكومة وطلبات إحاطة وأسئلة ومناقشات جادة وموضوعية بعيداً عن
التشنج لأن هذا هو الطريق الوحيد لبناء مصر جديدة وتقوية مؤسسات الدولة من خلال
إعمال نظام المساءلة وتداول السلطة... حرام عليك مصر يا دكتور عبد العال... ليست
بالنوايا الطيبة وحدها تبني البلاد.
(2) في
ظل حالة التوهان والتعتيم ونظريات الحرب خدعة التي تتعامل بها أجهزة الدولة مع
الرأي العام، فيفاجأ الجميع بأن هناك اتفاقات لترسيم الحدود تدور مفاوضاتها منذ
شهور بين مصر والسعودية. في ظل غياب الإفصاح والشفافية، وفي ظل غياب التواصل الجيد
والمنطقي، وفي ظل غياب المعلومة بشكل كاف وبشكل صحيح، وفي الوقت المناسب تنفتح
الأبواب علي مصراعيها لكل التشوهات والقلائل التي نعيشها، وأؤكد أنها صناعة مصرية
100% ولا يوجد بشأنها لا مؤامرات خارجية ولا يحزنون.
سؤال بسيط، لماذا لم يحدث نفس اللغط والمشكلات
التي تحدث بمناسبة مقتل الطالب الإيطالي ريجيني؛حينما قتل بطريق الخطأ عدد كبير من
السياح المكسيكيين رغم جسامة المأساة؟ السبب هو المعلومة والإفصاح. ففي حالة
المكسيكيين كان معلوماً ماذا حدث، وأنها كانت نيران صدرت علي سبيل الخطأ، وأن
السياح كانوا في منطقة عمليات محظورة، واعتذرت الحكومة المصرية، وتحدث الرئيس
السيسي هاتفياً مع القيادة المكسيكية في لحظتها... نعم كان للحادث تأثير سلبي علي
السياحة وله تداعياته، ولكنه وضع في موضعه الحقيقي لأن ملابساته وظروفه أعلنت وتم
تقييمها بحجمها الحقيقي. وتكرر نفس الشيء في حادث الطائرة الروسية، وحاولنا في
البداية إخفاء الحقيقة وتعجلنا في التصريحات غير الدقيقة وكاد الأمر يتحول إلي
كارثة لولا أن رضخنا في النهاية لصوت العقل وبدأنا في التعاون مع من حولنا، وهنا
بدأنا نشهد انفراجة فبدأ الألمان خطوة نحو التصريح لسائحيهم في السفر إلي شرم
الشيخ، ولا شك ستتبع الدول الأوروبية تدريجياً ذات الخطي بعد أن تعاملنا بشفافية
وعلانية مع إجراءات التأمين المتبعة وسمحنا بسبل التعاون والتحقق من الدول
المعنية. الموضوع بسيط ولا يتعلق بمؤامرة، فإذا كان لدينا سياسة فلدي الدول الأخري
اعتباراتها السياسية أيضاً، وإذا كنا حريصين علي تدفق السياحة إلينا فهم حريصون
علي سلامة وأمان مواطنيهم، وثبوت تراخي الحكومة البريطانية أو الألمانية في حماية
مواطنيها أو السماح لهم بالسفر رغم وجود معلومات استخبارية بشبهة وجود حادث إرهابي
كفيل بالإطاحة بديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني والمستشارة الألمانية أنجيلا
ميركل في غضون ساعات، علينا أن نتفهم ذلك، ونضع ذلك في حسباننا...
نفس الأمر ينطبق علي عملية القتل والتعذيب البشعة
للطالب الإيطالي في مصر... الأمر بالنسبة للحكومة الإيطالية والحوار كله يتصل
بالرغبة في معرفة الحقيقة... هناك حوادث قتل لفرنسيين وإيطاليين وقعت خلال العشر
سنوات الماضية أحيط أنا شخصياً ببعض وقائعها، ولم يثر هذا اللغط لأن ظروف هذه
الجرائم كانت واضحة وتم الكشف عن مرتكبيها وكانت الملابسات معلومة لدي المحققين
ولدي السفارات المعنية، أما هنا فنحن نتحدث عن تعذيب واختفاء قسري وظروف مريبة
وتعتيم وضغط إعلامي وضغط من الرأي العام الإيطالي... نحن نتعامل مع الأمور وكأننا
نعيش في عالم افتراضي، وكأننا نعيش وحدنا في هذا العالم، وكأنه لا توجد ضغوط علي
رئيس الوزراء الإيطالي «ماتيورينزي» صديق مصر، وكأن الحكومة الإيطالية غير معنية
بالحادث، وكأنها غير مطالبة بحماية مواطنيها، وكأن ملابسات الحادث عادية.
لنعترف... الحكومة تحاول طمس الحقائق، وأنها
تتعامل مع الرأي العام المصري والرأي العام الخارجي بسطحية شديدة، وبتعال، وبنظرية
«اخفي علي شمعتك تقيد»، وكان ذلك واضحاً في ملف جزيرتي تيران وصنافير، وحادث
«جوليو ريجيني» وغيرهما... ويجب أن نعترف أننا «فشلة» في الإفصاح وفي التواصل مع
الإعلام، وأننا نستحق «صفر» - شبيه بـ»صفر» المونديال - في التعامل مع الرأي العام
والإعلام المصري والأجنبي، وأن عدم دقة المعلومات وإخفاءها أو تأخر الإفصاح عنها
هو المسئول الأول عن حالة الجدل علي مواقع التواصل الاجتماعي والتشكيك، فرئيس
الوزراء لا يتواصل بشكل دوري، ولا يوجد أي تواصل جيد بين أي من مؤسسات الدولة
والإعلام والرأي العام في أوقات الأزمات وإن تحقق هذا التواصل فيكون عادة متأخراً
ورداً للفعل... نحن نستخدم القوة الناعمة ضد مصالحنا وليس العكس... الشعب يريد أن
يعرف!!... حينما يغيب البرلمان عن مناقشة هذه القضايا الحيوية يسيطر الإعلام
وشبكات التواصل الاجتماعي علي المشهد، وتتفاقم العبثية بكل معانيها.
وبالمناسبة أهدي البرلمان المصري والحكومة المصرية
خبراً اطلعت عليه مؤخراً وهو أن البرلمان التونسي أقر بأغلبية ساحقة في 14 مارس
2016 قانون حرية تداول المعلومات بعد إجراء بعض التعديلات عليه. وتشمل هذه
التعديلات توسيع قاعدة الهيئات الحكومية الملتزمة بالإفصاح وتشمل علي وجه التحديد
رئاسة الجمهورية ومكتب رئيس الوزراء والقضاء والبرلمان، كما أدخلت التعديلات لتوسع
قاعدة المعلومات الواجب الإفصاح عنها، ووجوب نشر المعلومات علي المواقع الرسمية
لهذه الهيئات، ويمكن لأي شخص أن يطلب معلومات دون توضيح الغرض أو تقديم بطاقة
الهوية، ولا يجوز رفض تقديم المعلومة إلا لأسباب محددة علي سبيل الحصر وهي أن يكون
الإفصاح عن المعلومة المطلوبة يهدد الأمن القومي أو العلاقات الدولية أو حقوق
الآخرين في حماية حريتهم الخاصة، ويجب أن يكون قرار الرفض مسبباً ويخضع لرقابة
القضاء... بالمناسبة مصر فيها مشروع لقانون حرية تداول المعلومات منذ عام 2006
ولكنه في الثلاجة... أرجو من أعضاء مجلس النواب إحياء هذا المشروع، فحق المواطن في
المعرفة وفي المعلومة وفي الرقابة وفي المشاركة في القرار حق من حقوقه
الدستورية... أنا آسف نسيت أن البرلمان المصري يرفض بث جلساته، أو الإفصاح عن
ميزانيته... والله عيب!!! اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك
0 التعليقات:
إرسال تعليق