وكانت المأساة في مباراة ودية بدأناها
متأخرين فبدأت الدنيا تظلم واحنا لسه في الملعب، ودخل في مرماي هدفان في آخر خمس
دقايق لأني مشفتش الكورة.
أقسم بالله أن المشكلة فيمن يَختار وليس
فيمن يُختار.
تحسن المستوي الفني بشكل لا بأس به للدوري
المصري خلال هذا الموسم الكروي. ولا شك أن ابتعاد الجماهير الكروية عن المدرجات
للموسم الخامس علي التوالي يحرمها من أهم عناصر المتعة والإثارة فيها. واحد ممكن
يقوللي: وإنت مالك ومال الكرة ما تخليك في السياسة ولا القانون شغلتك، ولا الأزمة
الاقتصادية اللي عمالين تكلمونا عليها صبح وليل؟ ورغم أنني أفهم في الكرة بعض
الشيء حيث مارستها كحارس مرمي ناشئين بالنادي الأهلي؛ إلي أن توقفت عن اللعب بسبب
ضعف النظر حيث وصل نظري إلي (-6) وكان عمري 16 سنة، وكانت المأساة في مباراة ودية
بدأناها متأخرين فبدأت الدنيا تظلم واحنا لسه في الملعب، ودخل في مرماي هدفان في
آخر خمس دقايق لأني مشفتش الكورة!! ورجعت بيتنا ومن ساعتها لم أدخل النادي الأهلي
مرة أخري لاعباً...
المهم أنا باكتب النهاردة عن المدربين
المصريين في دوري الكرة لأنه وضعهم فكرني بالتعديلات الوزارية التي تجري الآن،
والتي ربما تعلن عند نشر هذا المقال... الحقيقة نحن نحاسب مدربي فرق الأندية
بالقطعة، مباراة بمباراة... كسب الماتش فهو أفضل من في جيل المدربين، وإذا خسر
مباراة فهو أسوأ مدرب علي وجه الأرض ولا يصلح أن يدرب النادي المعني!! الدوري
المصري لعله من أكثر المسابقات في العالم التي تشهد تغييراً للمدربين خلال الموسم
الكروي، فمتوسط عدد المدربين لكل فريق خلال الموسم وصل إلي ثلاثة مدربين، حتي
النادي الأهلي الذي عرف بأنه أكثر الأندية استقراراً، وهو أشبه بوزارة الدفاع في
الحكومة المصرية، قد شهد تغيير خمسة مدربين خلال هذا الموسم الكروي، وفي أقل من
عام واحد. إذا خسر مدرب الكرة المصري مباراة أو اثنتين يكون هو دائماً كبش الفداء
شأنه شأن الوزير في الحكومات المصرية المتعاقبة خلال الخمس سنوات الأخيرة. إذا جاء
مدرب جديد واشتكي أن جهازه التنفيذي في الملعب... (عذراً أقصد لاعبيه) تنقصهم
الكفاءة والقدرة علي تنفيذ خططه وغير قادرين علي تحقيق الفوز؛ يرد عليه رئيس
النادي: هو ده اللي عندنا... معندناش فلوس وعليك أن تلعب بالموجودين، فيرد المدرب:
ولكن هؤلاء اللاعبين لا يصلحون لتحقيق تنمية أو تطوير - آسف تاني أقصد لا يصلحون
لتحقيق بطولات، فيرد رئيس النادي: ومين قالك عاوزين بطولات؟ إحنا عاوزين فقط
مانهبطش دوري المظاليم - يعني ما ننزلش دوري الدرجة الثانية، فيكون الطموح عند
الوزير... عفواً أقصد المدرب، وعند موظفيه... آسف مرة ثانية أقصد عند لاعبيه، مجرد
البقاء في البطولة وتسيير الأمور، فيموت الطموح وتسوء النتائج... وإذا وافق المدرب
علي التدريب بما هو متاح له من لاعبين بإمكانيات محدودة وخطط غير طموحة؛ فإنه قد
يطلب إمداده ببعض المساعدين الأكفاء كمدرب للأحمال، ومدرب لحراسة المرمي، وطبيب
يعالج اللاعبين ولا يسبب لهم كوارث، وإداري نشط يحل المشكلات... ولكن حتي هذا لا
يمكن لإدارة النادي إجابته لطلبه، فالإمكانات لا تسمح، وحتي إذا سمحت بقدر قليل
فهناك تربيطات انتخابية فرضت علي إدارة النادي تعيين هذا أو ذاك مجاملة وسداد
فاتورة حساب. فإذا قبل المدرب كل هذا وحاول أن يدرب بما لديه من لاعبين بإمكانات
محدودة ومساعدين غير أكفاء؛ فإن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فكل أعضاء إدارة
مجلس النادي يتحولون إلي مدربين ويتدخلون في عمله، ويحاولون أن يفرضوا لاعبين
بأعينهم عليه، وناهيك عن الجمهور الذي لا يحضر المباريات أصلاً فيتحول كله إلي
مدربين ولاعبين يلعنوا أب وأم المدرب إذا أخطأ أحد لاعبيه أو أخفق في إحراز هدف،
فإذا خسر مباراتين متتاليتين فإنه يتم عزله فوراً وعلي الهواء مباشرة ودون علمه،
ولا يمنع الأمر من تقريظه وتجريسه، وأيضاً عدم سداد مستحقاته... ويستمر مسلسل
التغيير والتبديل في المدربين، وتستمر خسارة فرقهم، ويستمر صراخ الجمهور، وغضب
مجلس إدارة النادي، وقد يهبط الفريق أو بالكاد يهرب من مصيدة الهبوط، وتتكرر
الملهاة كل موسم تقريباً... والحقيقة أن المشكلة ليست في المدير الفني في غالب
الأحوال، ولكنها في إدارة النادي وإدارة منظومة الكرة، فلا تتوقع أن تفوز ولو
أحضرت أفضل المدربين في العالم، يجب أن تغير منظومة الإدارة واللاعبين ونظم
التمويل، وأن تحدد أهدافك بوضوح. ولذلك كثير من المدربين الأكفاء في مصر يفضلون
الابتعاد عن التدريب في هذا الجو غير المريح، ويفضلون الانتقال إلي التعليق الفني
في القنوات الفضائية، فهو أكثر راحة وأقل عناءً ولا شك يحقق مكاسب مالية أكبر،
ويتجنب شتمه داخل الملعب من الجمهور وخارجه من رئيس النادي، ويكون أكثر أريحية وهو
ينتقد هذا المدرب وذاك اللاعب من ستوديو التحليل، ودخل مهنة التدريب عدد من
المغامرين ممن ليس لديهم شيء يخسرونه.
للأسف الشديد حال المدربين الفنيين للكرة
في مصر لا يختلف كثيراً عن حالة الحكومة المصرية والتعديلات الوزارية، فنحن نتعامل
مع الأمرين بذات الفكر وبذات المنطق. نظن أن المشكلة في الوزراء كما نظن أن
المشكلة في المدربين، ونعتقد أن تغيير الوزير شأنه شأن تغيير المدرب يكفي وحده لحل
المشكلة وتحسين الأداء. وأقسم بالله أن العيب ليس فيمن يُختار ولكن العيب فيمن
يَختار.. فالوزير مهما كان لن ينجح في أداء مهامه إذا لم نحدد له أهدافاً واضحة -
وهو ما نسميه بالرؤية - وما لم يحدد له أولويات هو وزملائه يجب أن يحققوها، ولن
ينجح مهما كانت كفاءته لو لم نسمح له باختيار مساعديه وكسر كافة قيود
البيروقراطية، ولن يتحرك وزير إلي الأمام إلا إذا تأكد أن هناك حماية قانونية
وسياسية لقراراته المشروعة، وأن كل أعضاء الحكومة - بمن فيهم رئيس الحكومة -
مسئولون مسئولية تضامنية من اتخاذ هذه القرارات، لن يفلح وزير طالما أننا نعامله
القطعة بالقطعة، واليوم بيومه، وقرار بقرار، فهذا يعني أنه ومن معه لن ينشغلوا إلا
بإطفاء الحرائق ومحاولة عدم الهبوط لدوري المظاليم، ونقتل قدراتهم... الوزير لا
يكتسب مهاراته السياسية والإدارية إلا بعد عام علي أقل تقدير من توليه حقيبة
الوزارة، ونحن نغير الوزير كل ثلاثة أشهر... من يحترم نفسه لا يمكن أن يقبل هذه
المهانة... كنا قبل 25 يناير نغير الوزير كل عشر سنوات وأحياناً عشرين سنة، أما
الآن فنغيره كل عشرة أشهر علي أكثر تقدير، لا هذا صحيح ولا ذلك صحيح.
إن معايير الاختيار وطريقة هذا الاختيار
لازالت معضلة كبيرة، وهذا التعديل الوزاري الأخير يتم بنفس الطرق القديمة، ولذلك
لن نحقق أية نتائج أفضل مما حققناه من قبل. وليس من الذكاء أن نتوقع نتائج مختلفة
ونحن نصمم علي اتباع نفس طريقة الاختيار... فمازلنا نختار بمنطق السؤال عن عريس
البنت سمعته إيه، مين يعرف وزير كويس، ومن يَسألون ومن يُسألون عادة ليس لديهم
الخبرة بالمهام المنوطة بالوزارة المعنية، فتكون نتائج الاختيار غير مرضية. الذي
أفهمه أنه يجب أن تكون هناك معايير للاختيار والتقييم مرتبطة بعناصر متعددة منها:
1) الخبرة السياسية للمرشح وقدرته علي التعامل السياسي، فنحن في حاجة لوزراء
سياسيين. 2) الخبرة الفنية والكفاءة الفنية المرتبطة بحقيبة الوزارة المعنية، ومدي
نجاحاته السابقة. 3) الكفاءة الإدارية، فليس كل من لديه الخبرة الفنية لديه قدرة
إدارية علي قيادة وزارته واختيار معاونيه وتسيير الأمور في وزارته. 4) القدرة علي
التواصل والتخاطب مع الرأي العام. 5) خبراته في التعامل مع مؤسسات الدولة وقدرته
علي التفاعل معها وإحداث التغيير. 6) مدي تناغمه السياسي والفكري والثقافي مع
أعضاء الحكومة الآخرين ومع القيادة السياسية. 7) النزاهة المالية وحسن السمعة.
كلها
عناصر يجب أن يكون لها درجة عند التقييم، ويجب التوسع في دائرة الاختيار والتحضير
المسبق... للأسف فات الميعاد وصار التعديل في المستقبل أكثر صعوبة وحساسية،
ومازلنا نتبع سياسات ترقيع؛إدمج وزارة، وفك وزارة، وغيّر وزير، وغير اسم وزارة...
وفي النهاية نتوقع نتائج مختلفة... مصر لن تقع ولن تترنح، ولكن لا شك أن هذه
السياسات أيضاً لا تحقق الانطلاقة ولا التقدم. اللينك
0 التعليقات:
إرسال تعليق