جريدة الاخبار - 13/8/015
هناك فئة أخري تشعر
بالاغتراب وتعمل ضد مصالح الوطن، لأن الأفكار التي غرست في عقولهم لا تعترف
بالجنسية المصرية ولا الحدود المصرية
يشعر البعض بالاغتراب داخل وطنه... وإحساس الإنسان بالغربة داخل
الوطن شعور سلبي يؤثر علي انتمائه وحبه لوطنه، ويجعله يشعر دائماً بأحاسيس سلبية
تجاه وطنه وأبناء شعبه.
والإحساس بالغربة -رغم أنك تعيش داخل الوطن ولم تغادره -يعني الهجرة
العقلية والوطنية، وإن لم تترجم إلي هجرة مكانية. ولا شك أن الاغتراب النفسي
والعقلي شعور سلبي قد يترجم إلي أفعال سلبية ضد وطن لا تشعر أنه يحبك أو يخاف عليك،
وقد يتحول الإحساس السلبي إلي أفعال وأقوال ضد الوطن ولو بشكل انفعالي ومؤقت.
وللاغتراب العقلي والنفسي أسباب كثيرة؛ فلا شك أن الشعور بالظلم
الاجتماعي، وامتهان الكرامة، وانعدام تكافؤ الفرص، وتضاؤل الأمل في غد أفضل؛ يجعل
الكثيرين من الشباب من الفئات المهمشة يحلمون باليوم الذي يغادرون فيه وطنهم
الأصلي إلي مكان أفضل. وهذا ما يفسّر الهجرات غير الشرعية -رغم أنها رحلة موت وقهر.
وانتقلت ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلي أوربا إلي الأطفال، فطبقاً
لتقرير اطلعت عليه مؤخراً هاجر من مصر مئات الأطفال المصريين إلي إيطاليا من خلال
مراكب الموت غير الشرعية، وتتراوح أعمارهم بين 12 عاماً و18 عاماً، يتم استغلالهم
في أعمال الدعارة وتجارة المخدرات. واستغلال هؤلاء لأعمال التخريب مقابل بضعة
جنيهات داخل الوطن أمر للأسف شاهدناه وعاصرناه.
لا شك أن الوسيلة الأساسية لمواجهة ظاهرة الاغتراب الناجم عن الفقر
والتهميش وآثاره المدمرة علي أصحابه والوطن؛ لن يكون إلا من خلال حزمة محترمة من
سياسات العدالة الاجتماعية الموجهة، أي تلك التي تستهدف أماكن وقطاعات بعينها،
كالقري الأكثر فقراً، والعشوائيات، والفئات العمرية الصغيرة. ليس فقط من خلال
مشروعات البنية الأساسية وتحسين الخدمات العامة؛ بل أيضاً من خلال مراكز ثقافية
وتعليمية، ودعم تمويلي للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر.
هناك فئات أخري مغتربة داخل الوطن ولكن لأسباب علي النقيض من الفئة
السابقة؛ فكثير من أبناء الطبقة الغنية في مصر -نتيجة سوء حالة التعليم العام في
المدارس الحكومية -أرسلوا بأبنائهم إلي مدارس أجنبية داخل مصر، هذه المدارس تقوم
بتدريس برامج تعليمية لا علاقة لها بالبرنامج التعليمي المصري، فهي تدرس إما
النظام الإنجليزي
A Level،
أو النظام الأمريكي، أو النظام الدولي
IB، أو النظام الفرنسي. وفي
هذه النظم لا يوجد تدريس للغة العربية إلا باعتبارها لغة أجنبية ثانية أو ثالثة،
شأنها في ذلك شأن اللغة الإسبانية أو الصينية!! وهنا يفقد التلميذ المصري أي علاقة
ثقافية مع وطنه، فاللغة العربية ثقافة، ويفقد كذلك التلميذ أي اتصال بدراسة تاريخ
وطنه أو أبعاده الجغرافية.
ومعظم هؤلاء الطلاب بعد تخرجهم من مدارسهم يواصلون دراستهم بالخارج،
فالقيم الثقافية والأخلاقية والتعليمية التي يتلقونها في مدارسهم تجعلهم يعيشون
غرباء في وطنهم، ومعظم هؤلاء -رغم الحياة الطيبة التي ينعمون بها -يسعون للخروج
إلي خارج البلاد، لأنهم غير متأقلمين مع ثقافة وعادات وطنهم الأم. وقد ساهم في ذلك
ثقافة «الكومباوند» التي تجعل من هؤلاء يعيشون في فقاعة، فيصابون بالصدمة بمجرد
الخروج إلي المجتمع الحقيقي، فرغم تعليمهم الجيد وقيم العمل والثقافة المتميزة
التي يتلقونها؛ نخسرهم لصالح المجتمعات الغربية لأنهم لا يشعرون بالانتماء إلي
الثقافة المصرية.ومهما بذل الأهالي من مجهودات فإنهم لا يمكنهم أن يعوضوا ما فاتهم.
وهذه فئة أيضاً يجب أن نكون حريصين علي ألا نفقدها، وعلي وزارة
التعليم ومؤسسات الدولة أن تأخذ هذا الموضوع مأخذ الجد. وليس المطلوب منهم إلغاء
المدارس الدولية، أو التدخل في المناهج، فلولا سوء حالة التعليم الحكومي ما كنا في
حاجة لهذه المدارس، ولكن يجب إنشاء مجلس تنسيقي مع هذه المدارس لوضع سياسة تضمن
تدريس اللغة العربية والتاريخ المصري والجغرافيا كجزء من مناهجها بشكل لا يمثل
عبئاً علي هؤلاء الطلبة، وتضمن تداخل أنشطة هذه المدارس الرياضية والثقافية مع
غيرهم من زملائهم المصريين... لا تفقدوا أجيالاً بسبب اغتراب التعليم والثقافة.
هناك فئة أخري تشعر بالاغتراب وتعمل ضد مصالح الوطن، لأن الأفكار التي
غرست في عقولهم لا تعترف بالجنسية المصرية ولا الحدود المصرية، بل تعتمد علي أن الإسلام
هو جنسيتها وأن كل من هو غير مسلم لا حق له وأنه من أهل الذمة، وأنه لا مانع من أن
يكون والي مصر!! من غير المصريين مادام مسلما، وأن كل ما يلبسه المصريون وما
يقومون به من عادات -في الفرح والحزن والملبس -هو من باب البدع، وكل بدعة ضلالة،
وكل ضلالة في النار... ولذلك لم يكن من المستغرب أن تطلع علينا إحدي الدراسات عام
2010 بأن قطاعا كبيرا من المصريين ينظر إلي السعودية باعتبارها نموذج الدولة
الأمثل، ولا شك أن هذا القطاع مدفوع بالاعتبارات والانطباعات الدينية. ولهذا
ارتأينا ما لم نره في حياتنا في برلمان 2012، ورأينا أناسا يتكلمون ويلبسون وفقاً
للعادات الأفغانية، ويقتلون باسم الدين، ووجدنا عادات غريبة يلبسونها ملبس
الإسلام، وهي من الإسلام براء.
هؤلاء الغرباء داخل وطنهم لا يمكن دمجهم سلمياً داخل المجتمع، والعمل
علي انسيابهم داخل نسيجه؛ إلا بمواجهة التطرف الفكري والثقافي والديني من خلال
المدارس والمراكز الثقافية والإعلامية. وأضعف حلقة في مواجهة هذا التطرف هي الحلقة
الأمنية، فالأمن يواجه العنف البدني والإرهاب المادي، أما التطرف العقلي والذهني
والنفسي فلا يواجهه إلا التعليم والثقافة، والعدالة الاجتماعية.
ولا تزال قائمة المغتربين داخل الوطن كثيرة، وفي تزايد... آن الأوان
لمواجهتها.
العدالة الاجتماعية والاقتصاد الحر:
العدالة الاجتماعية -كما أفهمها وكما هي مطبقة في المجتمعات المتحضرة
-تعني حق المواطن -أياً كان عمره وقدرته الذهنية وجنسه وموقع معيشته الجغرافي
ودخله المالي -في تلقي خدمة صحية جيدة في التنقل بشكل آمن، والحصول علي فرصة عمل،
وتلقي تعليم جيد، ومساواة الكافة أمام القانون، وتكافؤ الفرص والترقي. وللعدالة
الاجتماعية مظاهر وتطبيقات عديدة من خلال نظام تأمين صحي جيد، والمساواة في
الالتحاق بالوظائف العامة، وتلقي معاش لائق حال التوقف عن العمل بسبب السن أو
الإعاقة.
هل هذا المعني البسيط للعدالة الاجتماعية يتعارض مع الاقتصاد الحر،
ونمو القطاع الخاص؟ الإجابة قولاً واحداً: لا. فأعتي النظم الرأسمالية
تاريخياً-كما هو الحال في إنجلترا -هي الآن من أكثر النظم الاجتماعية تطبيقاً
للعدالة الاجتماعية، وخاصة في مجال الرعاية الصحية. فمن درس أو تعلم في إنجلترا
يعلم أنه بمجرد أن تطأ قدماك إنجلترا للتعلم أو للعمل؛ فأنت وأسرتك لكما الحق في
العلاج في أفضل المستشفيات وفي ذات المستشفي الذي يعالج فيه أبناء الأسرة الحاكمة
دون أن تتكلف جنيهاً استرلينياً واحداً.
ألمانيا بلد اقتصاد السوق الاجتماعي -شأنها في ذلك شأن فرنسا -التعليم
فيها حتي الجامعي بالمجان، وبهما أفضل جامعات العالم، كهايدلبرج وميونيخ في
ألمانيا والسوربون في فرنسا، والتعليم فيها مجاني سواء كنت ألمانياً أو فرنسياً أو
مصرياً أو من أي جنسية في العالم.
ما أريد أن أقوله إنه لا تعارض بين تحقيق العدالة الاجتماعية وتحقيق
النمو والتنمية الاقتصادية، لا تعارض بين الاقتصاد الحر وكرامة المواطن. لا أعلم
من أين تأتينا هذه الأفكار البالية والقوالب الجامدة... العالم يطير من حولنا
بسرعة الصاروخ ونحن لا نزال نعيش علي الماضي... يا مثقفي مصر أفيقوا... اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك
0 التعليقات:
إرسال تعليق