جريدة الاخبار - 11/6/2015
أشرف بعضوية مجلس أمناء إحدي الجمعيات الأهلية، والتي أسستها إحدي
الشركات المصرية المعروفة. وقد تأسست هذه المؤسسة التي لا تستهدف الربح عام 2007.
وقد قامت هذه الشركة بالتبرع لجمعية القلعة التي أسستها بمبلغ 50 مليون جنيه، علي
أن تقوم الجمعية باستثمار هذه المبالغ، واستخدام عائد الاستثمار السنوي في تقديم
منح دراسية للمصريين الشباب غير القادرين مالياً علي مواصلة الدراسات العليا في
الخارج. وهذه المنح يصل عددها سنوياً إلي حوالي 20 منحة. ورغم تقديم منح لأكثر من
150 طالبا علي مدار السنوات الثماني الماضية، فإن أصل المبلغ المتبَرع به قد زاد
ولم ينقص نتيجة استثماره بشكل احترافي وحكيم. وقد شاركت هذا العام في اختيار
ومناقشة المتقدمين للمنح الدراسية، وبلغ عدد أصحاب المنح (17) تم اختيارهم من مئات
المتقدمين.
وهؤلاء الشباب تم بالفعل قبولهم في أفضل الجامعات في العالم، منها
جامعة كامبردج، وكلية لندن للاقتصاد، وجامعة هارفارد، وبيركلي، وغيرها من الجامعات
الرائدة في العالم. وتنوعت الاختصاصات؛ منها دراسات متخصصة في التعليم، والتنمية
البشرية، والإدارة، والطب، والهندسة، والكمبيوتر، والتأليف الموسيقي، والحقوق،
والاقتصاد، والجيولوجيا، وغيرها من التخصصات. وكثير ممن تم اختيارهم هذا العام
يعملون بجهات حكومية ومؤسسات المجتمع المدني.
واللقاء بهؤلاء الشباب يعطي جرعة إيجابية وتفاؤلية بالمستقبل القريب،
وجميعهم لديهم طموحاتهم لبناء مصر جديدة، وجميعهم مؤهلون للقيادة. وأصحاب رؤية في
مجال تخصصاتهم وقد استمعت أيضاً لبعض العائدين من دراساتهم، وتابعت تقارير عن مدي
تفوقهم في الخارج وإنجازاتهم في الداخل.. وتتراوح أعمار هؤلاء الشباب بين 24 عاماً
و27 عاماً تقريباً.. والمنح تقدم لدراسة الماجستير وليس الدكتوراه، وتغطي نفقات
الدراسة والمعيشة الكريمة بالكامل خلال فترة الدراسة.
كل ما تطلبه المؤسسة من هؤلاء الشباب النابه؛ هو العودة إلي مصر
والعمل بها علي الأقل مدة ثلاث سنوات. فالالتزام أقرب إلي أن يكون التزاما أدبيا
منه التزام قانوني. والحقيقة أن نسبة الالتزام بين هؤلاء الشباب تجاوزت علي مدار
الـ 8 سنوات الماضية الـ 95%، ولا توجد سوي حالتين استمر أصحابهما في الخارج
ولأسباب معقولة، حيث تم حصولهم علي منح للدكتوراه من جامعاتهم في الخارج.
هذا النموذج لهذه الجمعية هو تطبيق كامل لفكرة «الاستثمار البشري»
الذي هو أهم صور الاستثمار. الاستثمار في الإنسان المصري هو الشيء الوحيد والضمانة
الأساسية لنمو هذا المجتمع. هذا النموذج أيضاً تطبيق بدرجة امتياز لفكرة
«المسئولية الاجتماعية» للشركات ورجال الأعمال، فمثل هذه المساهمات الإيجابية في
بناء المجتمع هي التي تصحح الصورة الذهنية الخاطئة -في رأيي- التي تولدت لدي عموم
الشعب المصري لرجال الأعمال والشركات الصناعية والاستثمارية. وأرجو مخلصاً من
الإعلام المصري أن يفرد مساحة لعرض هذه النماذج الايجابية. وبالمناسبة مؤسسة
القلعة ليست الوحيدة في هذا المجال، فسبقتها بخمس سنوات تقريباً مؤسسة ساويرس،
وأنا علي يقين أن هناك مؤسسات خاصة أخري تعمل في ذات المجال، فهناك مؤسسة أيضاً
أسسها بعض رجال الأعمال تعطي منحاً دراسية سنوية لتطوير مهنة التمريض في مصر.
في هذا السياق لي مقترح محدد لصندوق تحيا مصر، وهو أن يخصص من موازنته
السنوية مبلغاً يستثمر بشكل مستقل واحترافي، ويخصص عائده السنوي لمنح دراسية في
حدود مائة منحة سنوية في دراسات الماجستير والدراسات التطبيقية للشباب المصري من
العاملين بمؤسسات الدولة المختلفة، كوزارة الكهرباء، أو البترول، أو التعليم، أو
الري، أو النقل، أو التخطيط، أو الاستثمار. وأن يركز هذا البرنامج علي تأهيلهم
أيضاً للقيادة الإدارية في مجال تخصصهم. وحتي لا يتوهوا بعد عودتهم أو يتم
اضطهادهم لابد من إنشاء بنك للمعلومات يضم هؤلاء وخبراتهم، ولابد من الحرص علي
تسكينهم داخل مؤسساتهم بشكل احترافي، واستمرار عملية التأهيل لهم للقيادة في
المستقبل ومتابعتهم بشكل دوري. الاستثمار في العقول أفضل بكثير لمصر من الاستثمار
في الأسمنت- رغم أهمية الأخير وضروريته في عملية البناء والتنمية. أرجو من صندوق
تحيا مصر ألا يلتفت عن هذه الفكرة وأن يدرسها بعناية، وأن يكون له دور في تأهيل
جيل قيادي للمستقبل القريب.
وفي هذا السياق أيضاً أرجو من السيد وزير التعليم العالي إعادة النظر
في برامج المنح الدراسية للجامعات، لا شك أن هذه المنح أصبحت شحيحة جداً، فبعض
المعيدين والمدرسين المساعدين تخرجوا منذ أكثر من عشر سنين ولايزالون في انتظار
المنحة الدراسية ولو بالنظام المعروف باسم الإشراف المشترك، وهو نظام عقيم، وغير
مفيد إذا طبق منفرداً.
مقترحي يتخلص في أن توجه وتركز إدارة البعثات علي منح دراسية في
الماجستير في كبري الجامعات العالمية، والتوقف عن منح الدكتوراه في المرحلة
الحالية. يستهدف هذا الاقتراح الآتي: توسيع قاعدة الاستفادة من الموارد المحدودة،
لأن طالب الدكتوراه يُنفَق عليه ما يعادل الإنفاق علي أربعة أو خمسة طلاب ماجستير
أو دراسة تطبيقية. ومنح الماجستير فوائدها العلمية ليست قليلة، فطالب الماجستير لن
ينجح إلا إذا كان يجيد لغة الدراسة، وسيكون مضطراً للانخراط في المجتمع الذي يعيش
فيه، وسيكون مؤهلاً بسهولة بعد الحصول علي الماجستير للاستمرار في الدكتوراه لغةً
وعلماً وكيفاً، وسيكون من السهل عليه مواصلة البحث العلمي حتي ولو كان في مصر.
وهنا فقط يمكن المزج بين نظامين: منحة ماجستير كاملة، ومنحة لمدة سنة لدراسة
الدكتوراه بنظام الإشراف المشترك.
أرجو من وزير التعليم العالي مناقشة هذا الاقتراح، فالعالم يجري من
حولنا، ولا أمل لنا لتحقيق التقدم إلا من خلال تطوير منظومة التعليم المصري،
والاستثمار في العقول البشرية. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك
0 التعليقات:
إرسال تعليق