جريدة الاخبار - 12/3/2015
ولا أعلم لماذا تذكرت الفنان الراحل/ أحمد زكي، ودوره العبقري في فيلم «أنا لا أكذب ولكني
أتجمل»، وأنا أتابع صياغة السياسات الضريبية في مصر.
كثير من السياسات الضريبية التي أعلنت
عنها وزارة المالية خلال التسعة أشهر الأخيرة أشبه بدواء فعال لإزالة الدهون من
الجسم، ولكنه قد يسبب الفشل الكلوي للمريض ووفاته. فمنذ شهور فرضت ضريبة أرباح
رأس مالية علي التداول في البورصة. وقتها نبهنا إلي أن هناك آليات لتوسيع دائرة
الإيرادات العامة دون المساس أو التأثير السلبي علي نمو البورصة المصرية، والحد
من قدرتها التنافسية علي جذب رءوس الأموال.
وكان البديل المقترح هو زيادة
الرسوم المفروضة علي التداول من واحد في الألف إلي 3 في الألف. وكان لهذا
الاقتراح مزايا أهمها السهولة في التطبيق، وأنه كان يمكن توريد هذه الحصيلة بشكل
يومي لوزارة المالية دون أية أعباء إضافية علي الجهاز الحكومي، أيضاً فإن
الحصيلة المتوقعة كانت ستزيد بكثير علي ما ستحصله الدولة نتيجة فرض ضريبة
الأرباح الرأسمالية علي التداول في البورصة.
وحتي هذه اللحظة لم تضع مصلحة
الضرائب نظاماً يمكن معه تطبيق هذه الضريبة، ولم تصدر اللائحة التنفيذية
للقانون. وأكثر ما أثارني غضباً هو تصريح رئيس مصلحة الضرائب مؤخراً بأن الضريبة
لم يكن لها آثار سلبية علي البورصة المصرية، ويدلل علي ذلك بارتفاع معدل أرباح
البورصة بحوالي 30% في عام 2014 مقارنة بـــ 2013.
والواقع أن نمو البورصة يقاس بعدد
الاكتتابات الجديدة وحجمها وزيادة رءوس الأموال، وزيادة عدد الشركات المقيدة،
وبحجم التداول. إن حجم التداول بعد هذه القرارات الضريبية انخفض إلي أدني معدل
له في تاريخ البورصة المصرية، فحجم التداول اليومي بلغ 300 مليون جنيه تقريباً،
وهو أقل معدل له منذ 12 سنة، بعد أن كان قد وصل إلي مليار جنيه تقريباً قبل فرض
الضريبة.
مثال آخر، وهو ذلك الخاص بزيادة
أسعار الضريبة المستحقة علي السجائر، بحيث وصل متوسط سعر الضريبة علي السجائر
المصنعة محلياً إلي 79%، ولا يعنيني ارتفاع سعر الضريبة علي السجائر حتي ولو وصل
إلي 90%.
ولكن الأزمة عندي هي الطريقة التي
طبقت بها؛ حيث وضعت مصلحة الضرائب أسعاراً افتراضية لأسعار السجائر، وقسمتها إلي
شرائح ثلاث، هذه الطريقة كان لها تأثير سلبي علي المنافسة بين الشركات، وزيادة
الفجوة السعرية بين الشريحة الثانية والثالثة بلغ 7 جنيهات، فالأصل هو حيادية
أثر سعر الضريبة علي المنافسة بين المصنعين لأي سلعة سواء كانت السجائر أو غيرها،
إلا أن الطريقة التي اتبعت أدت إلي خلق مدي سعري يحرم الشركات المنتجة من حرية
التسعير، وهذا ليس دور الضريبة. وكانت هناك بدائل متاحة عدة منها تقسيم شرائح
الأسعار إلي شريحتين، وزيادة الضريبة يضعف ما تم تطبيقه فعلاً بحيث تكون المحصلة
37 مليار جنيه بدلاً من 32 مليار جنيه. ولم تستمع مصلحة الضرائب إلي هذه
الاقتراحات، فكانت النتيجة ضياع 5 مليارات جنيه سنوياً علي خزانة الدولة،
والتأثير السلبي علي أرباح شركة الشرقية للدخان وهي مملوكة للدولة، والشركات
المصنعة الأخري في مصر، وإرباك المنافسة، وتشجيع تجارة التهريب.
مثال ثالث؛ أعلنت وزارة المالية يوم
الثلاثاء عن أن المجموعة الاقتصادية الوزارية قد وافقت علي تخفيض سعر الضريبة
إلي 22.5% بدلاً من 30%، وزيادة سعر الضريبة في المناطق الاقتصادية الخاصة ومنها
مشروع تنمية قناة السويس الذي لم يبدأ بعد من 10% إلي 22.5%!! أي
بواقع زيادة قدرها 125% !! والأخطر من هذا وذاك أنه تم الإعلان عن نية الحكومة
في تثبيت سعر الضريبة بمقتضي القانون لمدة عشر سنوات قادمة!!!
وأقولها بوضوح، لا تملك أية حكومة
الحق سياسياً ولا قانونياً في تثبيت الضريبة لمدة عشر سنوات، فهذه مصادرة علي حق
البرلمان دستورياً، وعلي صلاحيات الحكومات المستقبلية، وتقيّد أي تطوير أو إصلاح
في المستقبل، وهذا الاجراء يرتب مسئولية قانونية جمة علي الحكومات المصرية
المستقبلية إذا ارتأت ضرورة تعديل المنظومة الضريبية.
إن رفع الضريبة علي المناطق الاقتصادية
من 10% إلي 22.5% وهي لم تبدأ بعد بمثابة إطلاق الرصاص علي قدم العداء قبل أن
يبدأ السباق. إن مبررات وزارة المالية في هذا السياق غير منطقية. نعم أتفق أن
الأفضل لمصر ضريبياً أن يكون هناك سعر ضريبي موحد علي أرباح كافة الأنشطة
التجارية والصناعية. ولكن رفع سعر الضريبة من 10% إلي 22.5% قبل
أن يبدأ المشروع يرسل إشارات متضاربة، ولا يأخذ بعين الاعتبار أن مشروع تنمية
منطقة قناة السويس جاء لينافس «جبل علي» و»سنغافورة» وغيرهما، وسعر الضريبة فيها
صفر. كما أن نسبة الزيادة من 10% إلي 22.5% علي المناطق الاقتصادية لا تتناسب مع
نسبة الخفض من 30% -وحقيقتها 25%- إلي 22.5% في المشروعات الأخري. كما أن زيادة
السعر المفاجئ للضريبة علي المناطق الاقتصادية الخاصة -وهي ضريبة مستقرة منذ عام
2002- قبل يومين فقط من انطلاق مشروع تنمية قناة السويس وعقد المؤتمر الاقتصادي وبشكل
مفاجئ يتعارض مع الشفافية، كما أن هذه الزيادة في سعر الضريبة بأكثر من ضعف
قيمتها الحالية لا تأخذ بعين الاعتبار التكاليف غير المباشرة المرتبطة
بالاستثمار في هذا المشروع الذي لم يبدأ بعد في وقت ترتفع فيه المخاطر السياسية
وتكلفة التمويل.كان الأجدي بوزارة المالية أن تعلن عن نيتها في توحيد سعر
الضريبة في مصر والوصول تدريجياً إلي هذا السعر الموحد خلال ثلاث سنوات من الآن،
وكان ذلك لا شك تحفيزاً للجيل الأول من المستثمرين في المنطقة الاقتصادية.
وبالمناسبة، فإن السعر الحقيقي للضريبة ليس 22.5% علي
الأرباح، فهناك ضريبة علي أرباح الشركات وهناك ضريبة علي توزيعات الأرباح علي
المساهمين، فيصل مجموعها تقريباً إلي 35%!! إن وضع السياسات الضريبية بمعزل عن
الجميع وبمنطق أن الحرب خدعة خطأ سياسي وفني واجتماعي جسيم. اللينك
|
0 التعليقات:
إرسال تعليق