جريدة الاخبار - 18/12/2014
إن عودة هؤلاء للعمل البرلماني مرة أخري -وهو أمر وارد
في ظل التشرذم الحزبي- انتكاسة جديدة لمصر
بصدور قانون تقسيم الدوائر تكون الخطوة التشريعية
الأخيرة لنظام الانتخابات البرلمانية قد اكتملت. وهو ما يعني أن الانتخابات
البرلمانية صارت علي الأبواب، وربما نري مجلس النواب القادم قد اكتمل تشكيله قبل
نهاية مارس القادم. ولهذا المجلس دلالات هامة، فاكتمال الانتخابات البرلمانية
بسلام –كما يتمني كل مصري مخلص لهذا الوطن- هو شهادة بشأن تعافي الوضع الأمني.
وتشكيل البرلمان وممارسته لسلطته التشريعية الكاملة .هو الخطوة الرئيسية الأخيرة
لاستكمال مؤسسات الدولة الدستورية، وتفعيل الدستور الجديد، والعديد من المؤسسات
والتشريعات اللازمة لإرساء العدالة الاجتماعية.
والبرلمان الجديد سينهي الحالة الانتقالية التي تعيشها
مصر منذ أربع سنوات تقريباً، وأصابت مؤسسات الدولة بالشلل، فتكوين البرلمان الجديد
هو شرط دستوري لتشكيل حكومة مستقرة تباشر اختصاصاتها الدستورية. ولا شك أن الأمر
لا يخلو من الخطورة. فنظام الحكم المصري في ظل الدستور الجديد جاء «برلماسياً» علي
حد تعبير الفقيه الدستوري الراحل د. سليمان الطحاوي، فلا هو بنظام رئاسي واضح كما
هو في الولايات المتحدة الأمريكية؛ ولا نظام برلماني كما هو الحال في إنجلترا، كما
افتقر مقومات النظام شبه الرئاسي كما هو الحال في فرنسا. ومجلس النواب طبقاً
للمادة (101) من الدستور هو الذي يتولي سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة
للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة، إلي
جانب الرقابة علي أعمال السلطة التنفيذية. وكلها مسئوليات في منتهي الخطورة علي
مستقبل مصر.
ومن مهام مجلس النواب القادم طبقاً للمادة (241) إصدار
قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة
الوطنية، وتعويض الضحايا وفقاً للمعايير الدولية، فالمكاشفة السياسية ومحاربة
الفساد صارت تكليف دستوري واضح للبرلمان القادم طبقاً للدستور المصري.
إن مجلس النواب الجديد له الحق كذلك في اقتراح سحب الثقة
من رئيس الجمهورية، والإعلان عن انتخابات رئاسية جديدة طبقاً للمادة (161)
للدستور، بعد موافقة ثلثي أعضاء المجلس، ومن الناحية الاقتصادية فإن الموازنة
العامة للدولة لا تكون نافذة إلا بعد موافقة المجلس عليها، والتصويت علي الموازنة
باباً باباً. ولمجلس النواب الحق في تعديل النفقات الواردة في مشروع الموازنة.
ولمجلس النواب سحب الثقة من الحكومة وطرحها أرضاً
بأغلبية أعضائه –أي 50% + 1، وهو ما أكدته المادة (133) من الدستور. وحال إصدار
رئيس الجمهورية لأية قوانين في غيبة مجلس النواب، فإن كافة هذه القوانين يجب عرضها
والموافقة عليها من المجلس خلال خمسة عشر يوماً من انعقاد المجلس الجديد، فإذا لم
تعرض وتناقش أو إذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة
القانون دون حاجة لإصدار قرار بذلك.
و يجب ألا ننسي أن الذي يوافق علي تعيين رئيس الحكومة
وبرنامجه هو مجلس النواب، فصلاحيات البرلمان القادم في غاية الخطورة، وهي الأهم والأوسع
في تاريخ العمل السياسي والدستوري المصري.
لا شك أن أداء البرلمان القادم إما أن يمثل دفعة قوية
لمصر في إصلاح المسارات الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية والفكرية والثقافية،
وإما أن يكون نكسة لا يعلم مداها ومخاطرها إلا الله...
أصابني الهم والغم وأنا أتابع خلال اليومين الماضيين علي
شاشات التلفزيون بعض الوجوه التي ساهمت في تشويه العمل التشريعي علي مدار العشرين
عاماً الماضية، ولعبت دور أساسي في إفساد الحياة السياسية... إن عودة هؤلاء للعمل
البرلماني مرة أخري -وهو أمر وارد في ظل التشرذم الحزبي- انتكاسة جديدة لمصر، إن
اعتلاء المنبر التشريعي بواسطة من هو غير مؤهل؛ ليضع خطة مصر الاقتصادية
والاجتماعية، ولكي يعين حكومة ويقصيها، ويشرع للمستقبل، ويراجع موازنة الدولة ويعد
لها، سيكون كارثة علي مستقبل هذا البلد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق