جريدة الاخبار - 27/11/2014
وأعود لأكرر لو لم نبدأ عملية إصلاح مؤسسي حقيقية داخل
الجهاز الحكومي وتعديل نصوص القانون الجنائي المصري فستذهب كل جهود الإصلاح
الاقتصادي والاجتماعي هباء
نواصل في هذا المقال مناقشة بعض التجارب الواقعية التي
يستفاد منها ضرورة الإصلاح المؤسسي وعدم إمكانية تسيير دولاب العمل في الدولة بالشكل
الذي تسير عليه الآن.
أثناء التفاوض بين أحد المستثمرين وإحدي الهيئات تم
الاتفاق علي أن يخصم من المبالغ المستحقة علي المستثمر قيمة الأراضي التي تم
استقطاعها للمنفعة العامة حيث استقطعت الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة حوالي
7000 م2 من الأرض لإجراء توسعات بالطرق المحيطة بالقاهرة الجديدة, وتم تحرير
محضر باستلام الأرض وبرفع مساحتها وقع عليه ممثل الشركة وضباط القوات المسلحة,
ومر الأمر بهدوء شديد, وتم بالفعل إقامة الطريق. وأثناء التفاوض مع الهيئة
المعنية فوجئ المستثمر بأن الجهة المعنية وافقت علي خصم قيمة 2500 م2فقط من
الأرض المستقطعة وليس 7000 م2حسبما جاء في محضر القوات المسلحة وبالاستفسار
قالوا إن هناك خطابا صدر من مهندسة بالجهاز المختص, فكانت إجابة المستثمر:
العبرة بالواقع وما تم استقطاعه وليس بما جاء في خطاب المهندسة، فكانت إجابة
رؤسائها «لا نستطيع», فلو قمنا
بالموافقة علي المحضر الموقع من الإدارة الهندسية بالقوات المسلحة, وتجاهلنا
خطاب المهندسة بالجهاز سنتهم بإهدار المال العام, فقلنا لهم ولكن هذا الخطاب
خاطئ فكانت الإجابة «ولو» لا نستطيع, فمجرد صدور خطاب مهما كان خطأ منافياً
للواقع, الجميع أصبح أسير هذا الخطاب وتعامل معه الجميع علي أنه عنوان الحقيقة
علي الرغم من علم الجميع بخطأ ما فيه من معلومات وما ترتب عليه من ضياع خمسة
ملايين جنيه علي المستثمر دون خطأ أو جرم اقترفه. وبعبارة أخري أصبح أي موظف في
الجهاز الحكومي قادرا علي تيسيره علي النحو الذي يراه وقادرا علي شل كل رؤسائه؛
لأنهم إذا خالفوا ما فيه سيعتبرون مدانين إلي أن تثبت براءتهم, ولم تنته المأساة
عند هذا الحد فكانت حجة الجهاز المعني أن الطريق الذي أقامته القوات المسلحة
2500 م2 أما باقي المساحة فتم إغلاقها واستخدمت كجيب للطريق, وليس طريقاً.
ومحاولة للخروج من المأزق طلب المستثمر أن ترد إليه المساحة الزائدة علي 2500 م2
فرفض الجهاز بحجة أن هذه المساحة قد تستخدم في المستقبل لتوسعة الطريق!!
فالخلاصة أنهم رفضوا خصم قيمة المساحة المستقطعة
بالكامل, ورفضوا رد الأرض غير المستخدمة في الطريق, بل زاد الطين بلة, بأن قالوا
بأنه لو أصريت - أي المستثمر- علي استرداد المساحة المستقطعة فسنعيد احتساب
المساحة وهو ما قد يترتب عليه التزامك بسداد مبالغ إضافية !!! أي تم استقطاع
7000 م2مربع من المستثمر, وصار مهدداً بسداد مبالغ إضافية نتيجة الاستقطاع من
أرضه !!! كل هذا تحت سمع وبصر الرؤساء بالهيئة اللذين اكتفوا معنا «بالحسبنة»
وهز الرءوس لأنهم لو تدخلوا فإنهم يخافون من اتهامهم بالفساد ومحاباة المستثمرين!!
وقبل الجميع بهذا الوضع الشاذ حتي يتم الانتهاء من الموضوع.
وفي ظل التعامل مع ذات الهيئة, طالبت الهيئة برسوم
لتعديل مخططات المشروع العقاري, فأفاد المستثمر بأن الرسوم سبق سدادها منذ أربع
سنوات إلا أن الجهة الإدارية تعللت بأنه طالما لم يصدر القرار الوزاري بتعديل
المخطط فإن المستثمر يلتزم بسداد الرسوم الجديدة حتي ولو كلفه ذلك ملايين
الجنيهات دون خطأ منه وحتي ولو كان التأخير راجعا لخطأ من الإدارة, وعلي الرغم
من اقتناع الرؤساء التنفيذيين بعدالة موقف المستثمر إلا أن الرد كان أنه سبق للهيئة
أن طالبت مستثمرين آخرين بالفروق المالية, وأنه إذا لم تفعل ذلك مع هذا المستثمر
ستلتزم برد ما سبق أن حصلته من الآخرين, وأن ذلك قد يعرض العاملين بالهيئة
للمسئولية, فالأسلم أن يستمر الوضع علي ما هو عليه حتي ولو كان خاطئاً حتي لا
يتهم أحد بإهدار المال العام.... وهكذا لا تنتهي الأمثلة. والدروس المستفادة من
هذه التجربة عديدة منها الحاجة العاجلة إلي عملية إحلال وتجديد لكثير من
القيادات التنفيذية في المرافق العامة والهيئات الحكومية حيث أصابهم الجمود
والخوف من المساءلة نتيجة ما تعرضوا له خلال الأعوام الماضية, ولم يعودوا قادرين
علي اتخاذ قرارات حاسمة خوفاً من المسئولية, كما أن الكثير من الصف الثاني من
القيادات الحكومية لم يعد مؤيداً أو مقتنعاً بجدوي الإصلاح أو التغيير, وهو ما
يجعلهم حائط صد ضد محاولات الإصلاح, كما أنه لابد من تجديد الدماء والأفكار
بدخول قيادات جديدة ليست مكبلة بأعباء الماضي, وقادرة علي المواجهة واقتحام
الصعاب والقيادة ولابد من إعادة صياغة دور الجهات الرقابية, وضمان عدم تداخل
دورها الرقابي مع العمل التنفيذي. وأعود لأكرر لو لم نبدأ عملية إصلاح مؤسسي حقيقية
داخل الجهاز الحكومي وتعديل نصوص القانون الجنائي المصري المستمدة من قانون
«جوزيف تيتو» من عهد يوغسلافيا الشيوعية فستذهب كل جهود الإصلاح الاقتصادي
والاجتماعي هباءً. اللينك
استمع الي مقالي عبر
اقرأ لي.. ارجو ان ينال اعجابكم اللينك
|
0 التعليقات:
إرسال تعليق