جريدة الاخبار - 4/9/2014
صحف متنوعة قومية وخاصة لا فرق لا تجد أي رادع لا أخلاقي ولا قانوني يمنعها من أن تتصدر صفحاتها الأولي وعناوينها أخبار كاذبة ومغلوطة
صارت ثقافة التخوين والرغبة الجامحة في إبادة كل من يختلف معنا في الرأي واعدامه معنوياً هي للأسف الثقافة الأكثر انتشاراً داخل المجتمع المصري. وأنا هنا أتحدث عن الخلافات السياسية والفكرية، وليس محاربة الإرهاب فهذا صراع حتمي لحماية الوطن. فالمواقع الاجتماعية الالكترونية والإعلام المرئي والصحف المصرية والبلاغات الكيدية كلهم شهود عيان علي انتشار ثقافة التشويه والوشاية، فكل شيء صار مباحاً – تشويه السمعة والشرف والعرض –تهديدات بإذاعة تسجيلات صوتية لمكالمات تليفونية الأصل أن سريتها مصونهة، وبرامج تخصصت في نشر المكالمات الهاتفية لتدر لصاحب القناة الإعلانات الوفيرة تذاع علي مرأي ومسمع من الحكومة والمسئولين والكل يلوذ بالصمت وكأنها سياسة دولة (وهي ليست كذلك) وكأنه لا يوجد لا دستور ولا قانون في هذا البلد.
صحف متنوعة قومية وخاصة لا فرق لا تجد أي رادع لا أخلاقي ولا قانوني يمنعها من أن تتصدر صفحاتها الأولي وعناوينها أخبار كاذبة ومغلوطة تخوض في أعراض وسمعة البشر وتتحرش بمن تشاء وتدعي نشر تحقيقات سرية تجريها الرقابة الإدارية دون أن يحرك مسئولاً واحداً ساكناً. وصار من المألوف أن يخرج علينا بعض ممن يعدهم المجتمع من الشخصيات القيادية والعامة ليسب هذا علناً وينعت ذاك بالعمالة الأجنبية أو الفساد المالي ويتلقي الجميع الادعاءات علي أنها حقائق مؤكدة وهي أبعد ما تكون عن ذلك.
للأسف إن ثقافة التشويه ضاربة بجذورها الخبيثة في نظامنا السياسي والاجتماعي وحان وقت اقتلاعها. ولقد زادت ثقافة التشويه والوشاية بعد ثورة يناير إما لتصفية حسابات قديمة من البعض أو نفاقاً ورياءً من البعض الآخر. فانتشرت المطالبات لعزل أجيال بأكملها وسيطر علي البعض الرغبة في الانتقام والانشغال بالصراع مع الماضي بدلاً من بناء المستقبل. فصار لثورة يناير أعداء كثر، واشتملت القائمة علي الكثير من المؤيدين لها في البداية وممن تعاطفوا مع أسباب اندلاعها فانقسم المجتمع وتشرذم. وللأسف مرة أخري استغل التنظيم الإخواني هذا النهج الإقصائي والذي أيده بعض المفكرين السياسيين الليبراليين فكانوا هم أنفسهم ضحايا الاقصاء لمرحلة ما بعد ثورة 30 يونيو. وبعد أن تولي الإخوان الحكم لم يكتفوا بالعمل علي اقصاء خصومهم السياسيين من نظام مبارك بل عملوا علي تشويه كل خصومهم وعلي رأسهم شباب ثورة يناير، بل وعملوا علي تقويض مؤسسات الدولة بما في ذلك القضاء والجيش، ورفعوا من وتيرة الانقسام داخل المجتمع وعلت النبرة الطائفية واستغلال الدين في السياسة فكان سقوطهم المروع والحتمي في 30 يونيو.
ولم تنته ثقافة الانتقام بعد ثورة 30 يونيو بل عدنا من جديد أشد قسوة وضراوة في الرغبة في طحن خصومنا أو من نظن أنهم خصومنا... وعاد المستبعدون في ظل 25 يناير لينفضوا عن أنفسهم التشويه الذي لحق بهم ولينتقموا ممن اعتقدوا أنهم السبب في إقصائهم فانتشرت حمي شيطنة 25 يناير وتصوير الأمر كله وبرمته علي أنه مؤامرة علي الوطن، وكأنه لم تكن هناك دواع اجتماعية وسياسية لما حدث... نعم حدثت أخطاء ونعم ركب الإخوان موجة الثورة ونعم استغلت دول ِأجنبية ما حدث وقد تكون ساهمت فيه لخدمة أغراضها التي هي لا شك متعارضة مع مصلحة الوطن... كل هذا لا يعني أن ثورة 25 يناير مؤامرة ولا يعني أن النظام السياسي قبل 25 يناير لم تكن له أخطاء جسيمة ولا يعني أن يكون مبرراً للإعدام المعنوي لجيل بأكمله، ولا يجوز أن يكون سبباً للعودة إلي الماضي بدعوي أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان.... لا يجوز أن نحبس أنفسنا في الماضي وأن نحكم ونخطط لمستقبلنا بأفكار الماضي وآلياته بل وشخوصه فهذا هو الفشل بعينه.
إن علي الرئيس السيسي عبئا ثقيلاً فناهيك عن المشاكل الاقتصادية والسياسية التي نجابهها وسنتغلب عليها، فإنه يقود مجتمعاً تسوده ثقافة التشويه والتخوين وهي ثقافة هدامة لا تساهم في بناء المستقبل ولا تعين القيادة السياسية علي اختيار العناصر الأفضل للإدارة فكل من يتم ترشحه لأي منصب تصيبه سهام التشكيك والتشويه. إن الأمم التي نجحت في تخطي صعابها وخطت نحو المستقبل بثبات ونجاح هي تلك التي أرست ثقافة احترام القانون وحماية وصيانة الحريات واستعانت بكل أبناء الوطن في البناء، وخاصة شبابها.
هذه دعوة مخلصة للإعلام المصري والحكومة لكي نبدأ في تغيير طريقة التفكير المبنية علي الإقصاء العشوائي والتشويه.... انظروا لما حدث في إندونيسيا وجنوب أفريقيا وماليزيا والفلبين والأرجنتين لكي تنهض من كبوتها، وسنعي أن هذه الدول لم تنجح بسياسات التشويه والاعتداء علي القانون وحرمة الحياة الخاصة والاستقطاب بل العكس هو الصحيح تماماً... ومصر بدورها قادرة علي البناء والقفز نحو مستقبل أفضل يتسع لكل المصريين وخاصة شبابه المخلص.... فهل يمكن بناء المستقبل دون الاستعانة بمن ينتمون إليه.... أكيد لأ. اللينك
استمع الي مقالي عبر اقرأ لي.. ارجو ان ينال اعجابكم اللينك
0 التعليقات:
إرسال تعليق